بحوث في الملل والنحل ـ الجزء الرابع ::: 381 ـ 390
(381)
الفترة الثانية للإمارة القبلية السعودية
    قد هرب كثير من كبار الوهابيين عندما ملك إبراهيم باشا « الدرعية » ، فلما ارتحل عنها رجعوا إليها ، منهم عمر بن عبدالعزيز وتركي ابن أخي عبدالعزيز ، ومشاري بن سعود ، فعمروا « الدرعية » ورجع أكثر أهلها ، فجهّز محمد علي باشا عسكراً بإمرة حسين بك ، فقبضوا على مشاري الّذي كان قد انتخب رئيساً لـ « الدرعية » وأرسلوه إلى مصر فمات في الطريق ، وتحصّن الباقون في قلعة الرياض ، بينها وبين « الدرعية » أربع ساعات ، فحصارهم حسين بك ثلاثاً فطلبوا الأمان فآمنهم فخرجوا ( إلاّ تركيّاً فهرب من القلعة ليلا ) فقيدهم وأرسلهم إلى مصر.

5 ـ تركي ابن أخي عبدالعزيز ( 1239 ـ 1250 هـ )
    عاش تركي ابن أخي عبدالعزيز مختفياً طوال عدة سنوات في المناطق الجنوبية ، وكان يتجول في صحراء نجد داعياً العربان إلى إحياء مجد الأسلاف ، وتزوج أثناء تجواله بامرأة من آل تامر ، ولدت له ذكراً أسماه جلوي ، فتجمع حول تركي ثلاثون رجلا ثم انضمت إليه بعض القبائل ، وفي تلك الأثناء بدأت في القسيم انتفاضة ضد المصريين إلى حدٍّ ألجأهم إلى الجلاء إلى الحجاز ، وتركوا حاميتين في الرياض ومنفوخة (1).
1 ـ ابن بشر : عنوان المجد ، ج 2 ، ص 12.

(382)
    وانتهز تركي فرصة ضعف المواقع المصرية في نجد في عامي 1239 و 1240 هـ فوسّع نفوذه في المنطقة المحيطة بالرياض ومنفوخة ، وعزل الحاميتين المصريتين ، وبعد عدة شهور سقطت الرياض بيد تركي ، وتمّ جلاء المصريين عن نجد ، وأعلنت بعض مناطق القصيم عن اعترافها بحكم تركي ، فتركي إذاً هو الأمير السعودي الوهابي الأول من الفرع الثاني لمحمد بن سعود ، وبه انتقلت الإمارة من سلالة عبدالعزيز بن محمد بن سعود إلى سلالة أخيه عبداللّه بن محمد بن سعود ، وما زالت فيها إلى اليوم (1).
    ولكنه نشب خلاف في العائلة السعودية ، فتمرد مشاري بن عبدالرَّحْمن بن مشاري بن سعود مع بعض أفخاذ قبيلة قحطان على الأمير ، فكبر على نسل عبد العزيز أن تخرج الإمارة منهم ، فدبّر مشاري أمر اغتيال تركي ، وتم له ذلك ، ونادى مشاري بنفسه أميراً.

6 ـ مشاري بن عبدالرحمن ( 1250 هـ )
    قال جبران شامية : انتهت ولاية الإمام الخامس تركي بن عبد اللّه اغتيالا على يد ابن عمّه مشاري بن عبد الرحمان ، الّذي استولى على السلطة وأصبح الإمام السادس ، ودام حكم مشاري أربعين يوماً ، إذ زحف فيصل بن تركي من الهفوف إلى الرياض بمساعدة عبداللّه ، وعبيداللّه ، من آل الرشيد شيوخ حائل ، واستولى على المدينة وأعدم مشاري ، وأصبح فيصل الإمام السابع في العائلة السعودية.

7 ـ فيصل بن تركي ( 1250 ـ 1253 هـ )
    تولى فيصل بن تركي الحكم بعد أبيه وهو في حوالي الأرِبعين من العمر ، في أوج نضوج قابلياته الجسمانية والروحانية ، وأصبح يتقبل البيعة من أهالي العاصمة ، ولكن محمد علي باشا لم يمهله طويلا ، فأرسل حملة كبرى إلى نجد ومعها خالد بن سعود ، الّذي كان مع السعوديين المنفيين بمصر ، فدخل جيش
1 ـ ابن بشر : عنوان المجد ، ج 2 ص 26 ـ 30.

(383)
محمد علي باشا واستولى على العاصمة بلا مقاومة ، بعد أن فرّ منها فيصل ، ثم أسر ونفي إلى مصر ، وأقام المصريون فيها خالد بن سعود حاكماً مكان فيصل ، وكان ذلك سنة 1253 هـ.
    وكانت الحجاز لم تزل بيد محمد علي ، وكان من أعوانه خالد أصغر أبناء سعود الكبير ، وأخو الإمام عبد اللّه الّذي استسلم لإبراهيم باشا في الحملة المصرية الأُولى وأُعدم في استنبول.

8 ـ خالد بن سعود ( 1253 ـ 1255 هـ )
    نشأ خالد بن سعود في القاهرة في كنف محمد علي ، الّذي أعدّه ليتولى الحكم في الجزيرة العربية نيابة عنه ، وكان لخالد أنصاره الذين لم يرضوا عن انتقال الإمامة عن أولاد سعود الكبير إلى أولاد عبد اللّه بن محمد (1).
    وجد فيصل أنّ أهل الرياض وقبائل كثيرة مالت إلى الأمير خالد ، لأنّه كان يمثّل نزعة دينية بحكم تثقفه في القاهرة ، وذلك ممّا دعا فيصل إلى ترك الرياض ، ودخل الأمير خالد الرياض سنة 1253 هـ.
    فأعاد الحكومة إلى فرع سعود الكبير ، وأصبح الأمير الثامن ، فاستمر خالد في الإمارة سنتين.

9 ـ عبد اللّه بن ثنيان ( 1255 ـ 1258 هـ )
    ثم ثار عليه عبد اللّه بن ثنيان مع النجديين ، فأرادوا الفتك به فهرب إلى مكة ، ثم مات (2).
    ولمّا بلغ ذلك فيصلا وهو محبوس بمصر ، استطاع أن يهرب ليلا من القلعة ومن معه ، حتّى وصلوا جبل شمر مقر عمارة ابن الرشيد ، فأكرمهم وتوجهوا إلى القصيم فانضاف إليهم كثير منهم.
    إلى أن استطاع بعون أهالي عنيزة أن يقاتل ابن ثنيان في الرياض ،
1 ـ أبو علية ، عبد الفتاح : الدولة السعودية الثانية ، ص 41.
2 ـ الأمين ، السيد محسن : كشف الارتياب ص 47 ـ نقلا عن خلاصة الكلام لزيني دحلان.


(384)
فقبضوه وحصروا عليه ، ثم قتل في الحبس خنقاً في سنة 1258 هـ.

10 ـ فيصل بن تركي ( 1258 ـ 1278 هـ )
    صار بعد ذلك فيصل سيداً في دياره لمدة تقرب من عشرين عاماً ، وفي سنة 1262 هـ صدر الأمر من الدولة العثمانية بتجهيز العساكر لمحاربة فيصل بن تركي أمير الرياض ، لأنّه استفحل أمره ويخشى أن يقع منه ما وقع من أسلافه ، وأن يكون ذلك برأي الشريف محمد بن عون أمير مكة المكرمة ، فتوجه الشريف مع العساكر من المدينة حتّى وصل جبل شمر ، فسار معه أميره ابن الرشيد بكثير من القبائل ، ولما وصلوا القصيم أطاعهم أهله ، فخاف فيصل فأرسل لأهل القصيم أن يتوسط في الصلح على تأدية عشرة آلاف ريال في كل سنة ، فتم الصلح ، ورجع الشريف بالعساكر ، واستمرّ فيصل يدفع ذلك حتّى مات سنة ( 1282 هـ ) (1).
    ولكنه بعد ما أُصيب بالشلل وقد البصر ، سلّم الأُمور لابنه عبداللّه ، وبعدما مات نشبت حرب أهلية بين أولاده الأربعة ، وهم عبداللّه وسعود ومحمد وعبدالرَّحمن ، وعمّت الفوضى البلاد.

11 ـ عبداللّه بن فيصل التركي ( 1278 هـ ـ 1284 هـ )
    كان فيصل قد بايع ولده الأكبر عبداللّه بولاية العهد مطابقاً للتقاليد المتّبعة في البيت السعودي ، ولكن نشبت الحروب الأهلية بين أولاده الأربعة وهم : عبداللّه وسعود ومحمد وعبدالرحمن ، وعمّت الفوضى في البلاد ، وقد نازع سعود أخاه عبداللّه وثار عليه ، واستمرت الحروب الأهلية بين الطرفين ، ونشبت الفتن والقلاقل واستمرت 25 عاماً ، ممّا أدى إلى ضعف الإمارة وذهاب سلطانها ، وانتفاضة حكام المقاطعات عليها ، واستقلال كلّ بدويلته واحتل الأتراك الأحساء والقطيف (2) واستمرّ الصراع داخل أُسرة آل سعود ، وظهر عبداللّه في الأراضي المحتلة من قبل الأتراك ، وطرد سعود من الرياض موقتاً ،
1 ـ جبران شامية : آل سعود ، ماضيهم ومستقبلهم ، ص 78.
2 ـ وهبة ـ حافظ : خمسون عاماً في جزيرة العرب ، ص 24.


(385)
ففي سنة 1283 هـ عاد عبداللّه من جديد إلى الرياض إلاّ أنّ الوضع في الإمارة كان ميؤوساً منه فالمجاعة مستمرة ، وكان الناس يأكلون جيف الحمير ويحرقون جلود الماعز ويدقونها ، بل كانوا يدقون العظام ويأكلون مسحوقها ، ومع هذا فمن لم يمت بالسيف مات جوعاً (1).

12 ـ سعود بن فيصل تركي ( 1284 هـ ـ 1291 هـ )
    وفي العام القادم 1284 هـ عاد سعود مجدداً إلى الرياض ، واستمرت المعارك سجالا بين الأخوين واقترنت كالعادة بالنهب والقتل ، ولكن عبداللّه بن فيصل كان يعتمد على الأتراك ، بينما يعتمد سعود على الإنجليز ، حتّى أنّهم أرسلوا أغذية له ، وبعد طائفة من الأحداث استتب الأمر إلى سعود ، ودخل الرياض في محرم 1290 هـ و توفي بعده بعام 1291 هـ وأمّا عبدالله فقد تنازل عن الحكم وترك الرياض هو وأخوه محمد ، ورحل إلى مقربة من الكويت واستقرّ في بادية قحطان ، ثم تركها بعد أن رفضوا الخوض في معركة جديدة يكونون حطبها بلا فائدة ، ولما توفي سعود أخذ الحكم مكانه أخوه عبد الرَّحمن الّذي كان يميل إلى سعود بعكس محمد ، فحكم لمدة عامين ، ثم تلاها حرب بينه وبين أخيه محمد الّذي كان يكبره سناً ، فوقعت معركة بينهما في ثرمدا في غرب الرياض ، وعاد الأمر من جديد للتوتر ، حتّى وافق الاثنان على أن يتولى الحكم أخوهم الكبير عبداللّه ، فعاد هذا الأخير من البادية واستلم الحكم عام 1293 هـ حتّى عام 1305 هـ ولم يقبل أبناء سعود أن يتولى عمّهم الكبير عبداللّه ، فغادروا الرياض احتجاجاً على ذلك ، واستقروا في « الخرج ». وعندئذ توجه عبد الرحمن خوفاً من أبناء أخيه إلى عبداللّه ، فقرر الإخوة الثلاثة ( عبداللّه ـ محمد ـ عبدالرحمن ) تشكيل جبهة واحدة بزعامة عبداللّه ضد أولاد سعود الذين تمكنوا من السيطرة على الرياض بضعة أسابيع ، ثم فرّ أولاده ودخل عبداللّه الرياض من جديد ، وبقي فيها إلى أن مات عام 1305 هـ.
1 ـ الريحاني ـ أمين : تاريخ نجد الحديث ، ص 99.

(386)
13 ـ عبدالرحمن بن فيصل
    ولما توفي عبداللّه أخذ أخوه عبدالرحمن الأمر بيده ، وأعلن نفسه أميراً خلفاً لأخيه عبداللّه ، ولم يطل الوقت حتّى اختلف عبدالرحمن مع أولاد سعود ، ومن جانب آخر جنحت قبائل نجد لمحمد بن الرشيد مع أنّه لم يكن وهابياً بل كان حليفاً للخليفة العثماني ، الّذي يتبع المذهب الحنفي ويستمد منه المال والسلاح (1).
    ولما رأى عبدالرحمن قوة ابن الرشيد شعر أنّه بين أمرين : إمّا أن يحارب ابن الرشيد وإمّا أن يخضع له كموظف عنده ، ولا طاقة له على الأُولى ولا تطيقه نفسه على الثانية ، فلم يبق أمامه إلاّ الرحيل ، فرحل عن نجد بأهله سنة 1309 هـ وظل منتقلا في الأمصار ، فذهب أولا إلى الأحساء ، ثمّ إلى الكويت ، ثمّ إلى قبائل بني مرة قرب الربع الخالي ، ثم إلى قطر ومنها عاد إلى الكويت ، واستقرّ فيها مع عائلته وأولاده; وكان عمر ولده عبدالعزيز عشر سنوات ، وعين له أمير الكويت الشيخ محمد بن الصباح مرتباً إلى أن خصصت له الدولة العثمانية ستين ليرة عثمانية في الشهر (2).
    فقطع ابن الصباح عنه المرتب ، وعاش هو وأفراد عائلته في شدة وضيق (3) وبذلك انتهت الدولة السعودية الثانية.
    يقول بعض المؤرخين : « إنّ الوهابية فقدت صيتها وبريقها لما توسّعت فوق طاقتها فانهزمت ، وهكذا خسروا الأرض والحركة الوهابية ».
    لم يكرم الشيخ مبارك الصباح ضيافة آل سعود في الكويت ، فسكنوا ثلاث غرف من طين في أحد أزقة الكويت ، ومع ذلك كان آل سعود خلال إقامتهم في الكويت مدة سبعة أو ثمانية أعوام متعاونين مع الشيخ مبارك حسبما تمليه مصالحهم ، لقد كانت مجالس الشيخ مبارك بالنسبة إلى الشاب عبدالعزيز
1 ـ جبران شامية : آل سعود ماضيهم ومستقبلهم ، ص 81 ـ 82.
2 ـ الريحاني : تاريخ نجد الحديث ، ص 91.
3 ـ مغنية ـ محمد جواد : هذه هي الوهابية ، ص 132 ـ 133.


(387)
مدرسة تلقى مما يدور فيها من الأحداث ، ولعلّ أهم درس وعاه هو الحذر عند التعامل مع القوى الدولية ، والنظر بعين الاعتبار لمركز بريطانيا المتفوق (1).
1 ـ السعدون ـ خالد : العلاقات بين نجد والكويت ، ص 67.

(388)
الفترة الثالثة للإمارة القبلية السعودية
    ذات يوم جاء الفتى عبدالعزيز إلى الشيخ مبارك وقال له : أريد أن أنقذ نجداً من ابن الرشيد فهل تساعدني بالمال والعتاد؟ فأعطاه الشيخ مائتي ريال وثلاثين بندقية وأربعين جملا وبعض الزاد ، فأخذها ومضى هو وأرحامه وأصحابه ، ورافق عبدالعزيز أخوه محمد وابن عمه عبداللّه بن جلوي وبعض أتباعهم وعددهم نحو أربعين رجلا (1).
    سارت الجماعة متخفّية حتّى وصلت ضواحي الرياض وغافلت حراسها ، وذلك في 3 شوّال سنة 1319 هـ ، ودخلت المدينة خلسة ، وقتلت قائد الحامية الشمري عبدالرَّحْمن بن ضبعان ، فاستسلم رجاله وخضعت الواحة لآل سعود ، فأرسل عبدالعزيز ناصر بن سعود إلى الشيخ مبارك مبشراً وطالباً المدد ، ثم بنى سوراً حول الرياض ، ثم دامت مساعدات شيخ الكويت واستتبّ له الأمر.

14 ـ عبدالعزيز بن عبدالرحمن ( 1319 ـ 1373 هـ )
    وبعد هذا صار عبدالعزيز حاكماً للرياض وهو في الثانية والعشرين ، وظل أبوه مستشاراً رئيسياً له وإماماً للمسلمين (2).
1 ـ السعدون خالد : العلاقات بين نجد والكويت ، ص 68.
2 ـ المصدر السابق.


(389)
    اتصلت الدولة العثمانية بعبد العزيز بن سعود بواسطة الشيخ مبارك ودعته لإرسال والده عبدالرّحْمن لمفاوضة والي البصرة ، ولبّى عبدالرّحمن الدعوة ووصل إلى الكويت ومنها إلى الزبير برفقة الشيخ مبارك ، حيث عقدت الجلسة الأُولى من المباحثات عام 1322 هـ وتوصل الفريقان إلى اتفاق تضمن إقرار العثمانيين بسيطرة عبدالعزيز على مناطقه بوصف أنّه موظف عثماني برتبة قائم مقام ، وتعهّد العثمانيون بمنع آل الرشيد عن التدخل في شؤون إمارة آل سعود (1).

عبدالعزيز يتحالف مع الإنكليز
    انتهز عبدالعزيز الفرصة فاجتمع لأول مرة في سنة 1328 هـ برسمي بريطاني هو المعتمد في الكويت ، أعني « ويليم شكسبير » ونشأت بينهما مودة وتقدير متبادل ، واجتمعا ثانية سنة 1330 هـ ، وكذلك في ربيع الأول 1331 هـ وشرح عبدالعزيز لمندوب بريطانيا بأنّ الوقت مناسب لتخليص نجد والأحساء نهائياً من السيطرة العثمانية.
    تمكّن شكسبير من إجراء مباحثات سياسية مع عبدالعزيز ، فوضع مسودة معاهدة التزم الإنكليز بموجبها بضمان مواقع أمير الرياض في نجد والأحساء ، وحمايته من الهجمات العثمانية المحتملة من جهة البحر والبر إذا التزم بمساعدة الحلفاء ، وتخلى الإنكليز عن سياستهم القديمة ، والتزموا بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لشبه الجزيرة العربية ، والتزم عبدالعزيز بعدم إقامة علاقات مع البلدان الأُخرى بدون مشاورة تمهيدية مع السلطات البريطانية ، وتبين الدراسة التي أجراها « تلولير » لوثائق الأرشيفات الإنكليزية ، أن عبدالعزيز كان يدرك بدقة مضامين السياسة البريطانية في الجزيرة العربية (2).
    وجاء في المعاهدة أنّ ابن سعود يتعهّد أن يمتنع عن كل مخابرة أو اتفاق أو معاهدة مع أية حكومة أو دولة أجنبية ، وأنّ أمير نجد لا يمكن أن يتنازل عن
1 ـ فاسيليف : تاريخ العربية السعودية ، ص 215.
2 ـ الأمين ، السيد محسن : كشف الارتياب ، ص 48.


(390)
الأراضي أو جزء منها ، ولا أن يؤجرها أو يرهنها أو يتصرف بها بأىّ شكل ، ولا أن يقدمها على سبيل الامتياز إلى أيّة دولة أجنبية ، أو إلى أحد من رعايا دولة أجنبية بدون موافقة الحكومة البريطانية.
    وجاء في المادة السادسة أنّ ابن سعود يتعهّد كما تعهّد والده من قبل بأن يمتنع عن كل تجاوز وتدخل في أرض الكويت والبحرين وأراضي مشايخ ( قطر ) وعمّان وسواحلها ، وكل المشايخ الموجودين تحت حماية الإنكليز ، والذين لهم معاهدات معها ، ولم يرد في المعاهدة شيء عن الحدود الغربية لنجد ، وهكذا فرضت هذه المعاهدة ، الحماية البريطانية على نجد وتوابعها ، وصارت هذه المعاهدة جزءاً من شبكة النفوذ البريطاني الّتي أرادت لندن فرضه على القسم الأكبر من الشرق الأوسط ، وعلى أيّة حال على الجزيرة العربية كلّها بعد الحرب العالمية الأولى.
    ثم استلمت نجد من عام 1344 هـ ، مقابل توقيع المعاهدة مؤونة شهرية بمبلغ 5 آلاف جنيه استرليني مع إرساليات معينة من الرشاشات والبنادق (1).
    وكما كان ابن الرشيد حليفاً مخلصاً للأتراك ، فقد كان عبدالعزيز حليفاً دائماً وصديقاً وفيّاً للإنكليز ، فكان يذكرها ويشكرها في خطبه وغيرها ، وهذا مثال من أقواله « بحق الانكليز » جاء في خطبة ألقاها بمكة المكرمة عام 1362 هـ.
     « ولا يفوتني في هذا الموقف أن أتمثّل بأنّ من لم يشكر الناس لم يشكر اللّه ، فأثني على الجهود الّتي قدّمتها الحكومة البريطانية بتقديم بواخر الحجاج وتسهيل سفرهم ، كما أثني على مساعدتها ومساعدة الحلفاء القيمة ، ومتابعتهم تموين البلاد بما يحتاجه الأهالي من أسباب المعيشة وغيرها ، وكذلك لابدّ من الإشارة إلى أنّ سيرة البريطانيين معنا طيبة من أول الزمن إلى آخره ».
    يقول العلامة الشيخ محمد جواد مغنية بعد نقل هذا الكلام :
1 ـ فاسيليف : تاريخ العربية السعودية ، ص 251 ـ 252.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء الرابع ::: فهرس