العمل وحقوق العامل في الاسلام ::: 16 ـ 30
(16)
    وقال تعالى : ( فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ) (1) بهذا الإنذار والتهديد توعد من وجه نشاطه وقواه العقلية نحو المادة وترك القيم العليا والمثل الكاملة ولم يعمل على تطهير نفسهمن الرجس والرذائل وخدمة مجتمعه خدمة صحيحة.
    إن الاسلام يدعو الى الوئام بين الروح والجسم ويدعو الى التوازن بينهما فلا يفرض سيادة المعدة على العقل ، وبذلك فقد ركز دعوته على الأسس الانسانية العادلة التي تنتظم بها الحياة الاجتماعية ويتحقق بها التوازن بين الافراد والجماعات. (2)
    وبنى الاسلام في ربوع العالم معالم الحضارة وأقام صروح العدالة ، وأوجد انقلاباً جذرياً في طريقة العيش واسلوب الحياة ، فقد أذاب سطوة القبائل ، وغلبة الفرد ، وقضى على كيان الفوضى والتمرد ، واخضع الجميع للقانون والدستور بعدما كان الناس لا يعرفون شيئاً من المبادئ الدستورية والنظم القانونية يقول البروفسور ( ليك ) :
    « هناك حقيقة جديرة بالاعتبار والتقدير وهي أنه في
1 ـ سورة الزخرف آية 82.

(17)
الوقت الذي كان العالم كه يرزح تحت نير العبودية جاء الاسلام ينادي بالحرية والاخاء والمساواة في الحقوق والواجبات ».
    لقد انطلق الاسلام في حضارته يشق أجواء التأريخ ويصنع للانسانية ما لم تصنعه أي حضارة أخرى في العالم.
    يقول ( السير. ب. اسكوت ) : إن الحضارة الحديثة مدينة بالكثير للاسلام الذي حرر العقل البشري من عقال الوهم والخرافة ، لقد بهرت الحضارة الاسلامية أوربا في القرون الوسطى (1).
    إن العالم بأسره يشهد ما للاسلام من فضل في تنوير العقول وتقرير الحقوق الكاملة للانسان ، وان في تراثه ما يوفر للانسانية الراحة والاستقرار ، وانها لا تجد بأي حال نظاماً يحقق في ربوعها العدل الاجتماعي سوى نظام الاسلام.
    لقد انطلق الاسلام قوة هائلة تطهر الأرض من جميع المفاسد والمهازل التي توجب شقاء الانسان وعذابه وسلب راحته واستقراره وأمنه.
    إن من المفاهيم التي ركز الاسلام اتجاهاته على تحطيمها هو الفقر فهو رديف الكفر ، فما دخل الفقر الى بلد
1 ـ امبراطورية المغاربة : ص 532.

(18)
الا صحب معه الالحاد والمبادئ الشاذة كما نص على ذلك الحديث الشريف ، وورد في بعض الأدعية « اللهم اني أعوذ بك من الكفر والفقر ».
    لقد عمل الاسلام علي اذابة الفقر وتحطيمه وإزالة شبحه وذلك بما سنه من النظم الاقتصادية الخلاقة ، فقد نظر الى المال فوضع له منهاجاً خاصاً يمنع من تكديسه وتضخمه عند طبقة خاصة ، وذلك بتحديده لطرق الكسب والتجارة ، كما اعتبر المال مال اللّه وليس حائزه إلا وسيطاً ومستخلفاً عليه قال اللّه تعالى : ( آمنوا باللّه ورسوله وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) (1) وقال تعالى : ( وآتوهم من مال اللّه الذي آتاكم ) (2) فالمال مال اللّه وسنة اللّه تمنع أن تتضخم النقود ويتكدس الثراء الفاحش ، ولاتخرج منها الحقوق المفروضة التي جعلها الشارع للمعوزين والمحرومين.
    إن الاسلام قد قضى في تشريعه على الرأسمالية الظالمة فقد نهى عن الربا ، ومنع من الاحتكار ، وحرم الاستغلال ، والتضخم النقدي في أغلب صوره ناتج عن هذه الاسباب ،
1 ـ سورة الحديد : آية 6.
2 ـ سورة النور : آية 32.


(19)
وفي تحريم الاسلام لها حكمة بالغة وذلك لئلا تنحصر الثروة عند فريق من الناس وتحرم منها الاكثرية الساحقة الأمر الذي يؤدي الى اشاعة الاضطراب وفقدان التوازن في الحياة الاجتماعية وحدوث الانفجارات الشعبية التي توجب دمار البلاد وهلاك العباد في جميع مجالات.
    وليس الاسلام في تحديده لاسباب الثروة وحصرها في الطرق المباحة وفرضه للضرائب المالية على أموال الأغنياء انه يلتقي بذلك مع الشيوعية الكافرة أو الاشتراكية الملفقة بطريق فان للاسلام مناهجه الخاصة ونظرياته الصائبة التي تواكب الفطرة المستقيمة والوعي السليم ، وعليهما يرتكز اقتصاده الخاص.
    اما الشيوعية فانها تنسف المجتمع من أصله وأساسه ، وتبني بعد خرابة لاقتصادياته ومعالمه اقتصاداً مشوهاً لا يلتقي مع الفطرة الأصيلة للانسان ، إقتصاد مبنى على أن يكون الانسان كالآلة الصماء لا حرية له ولا تفكير ، ولا ارادة ، ولا وعي ، يعمل ويعطي للدولة ، يعمل والحرس السرى على رأسه يحصي عليه أنفاسه في المعمل ، وفي البيت ، وفي النادي ، فلا يكاد يظفر من دنياه إلا بما يسد الرمق يتناوله على خوف ويطعمه على حذر.


(20)
    إن الاقتصاد الشيوعي مبني على محو الملكية وزوالها ، وحصرها عند الدولة ، وحرمان الفرد من استغلال سعيه واستثمار جهده وتعبه والانسان منذ وجد وجدت معه غريزة حب الملك ويستحيل القضاء على هذه الغريزة ما دام الانسان يملك وعيه واختياره والذي ينكر ذلك فانما ينكر كل ما يوحي به طبع الانسان وفطرته التي فطر اللّه الناس عليها.
    إن الاقتصاد الذي جعل شعاره الدم ، وازهاق الانفس ولايهم معتنقيه أن تذهب ثلاثة أرباع العالم في سبيل تطبيقه (1) لهو اقتصاد مشوه ليس له واقع في الحياة الاقتصادية.
    إن الاقتصاد الذي لا يعتني بالعواطف والمشاعر وحقائق الأمور ما هو إلا حقيقة وهمية ، وخيال محض ، لا يؤمن به إلا ذوو العاهات الذين يعيشون في الخيال والأوهام ولا ينظرون إلا الى الخلف.
    وحاول فريق من انصار الرأسمالية الظالمة ، والشيوعية الكافرة والاشتراكية المرتجلة أن يتمسكوا ببعض التعاليم الاسلامية
1 ـ كتب الزعيم لينين الى مكسيم جورجي الاديب الروسي رسالة جاء فيها « هناك ثلاثة ارباع العالم ليس بشيء ، انما الشيء الهام ان يصبح الباقي منهم شيوعيين ».

(21)
للاستدلال على أفكارهم وتدعيم عقائدهم ، وقد اقترفوا بذلك ظلماً فان الاسلام أسمى وأرفع من أن يشبه هذه الانظمة الفاسدة التي بنيت على الخداع والتضليل والمواربة وتلبيس الحق بلباس الباطل ، واغراء السذج والبسطاء وسلب اقتصاديات الشعوب الضعيفة والتلاعب في مقدارتها.
    إن الاسلام يبرأ من تلك الأنظمة الجائرة ، ولا تربطه أي صلة مع تلك المبادئ الهزيلة التي نشرت التسيب والميوعة والفساد في الأرض.
    إن للاسلام أهدافاً واضحة المعالم ثابتة الدعائم تتميز عن هذه القوانين الحديثة التي لا تنشد إلا مطالب الجسد ونشر الشهوات وتحطيم الاخلاق.
    فللاسلام خططه الصريحة الواضحة التي لا لبس فيها ولا غموض ، إنه جاء ليسمو بالانسانية ، ويرفع مستواها الخلقي والثقافي والاقتصادي ، ويحقق في ربوعها العدل الاجتماعي ، ويزيل عنها الظلم والجهل.
    إن من الجناية على الحق ، ومن الظلم للواقع أن يشبه الاسلام بشيء من تلك المبادئ القذرة التي لا تحمل في روحها وجوهرها معنى من معاني العدل والخير ، وقد أثبتت الأدلة


(22)
والتجارب انهيارها وافلاسها وعدم امكان تطبيقها في زمن يسير أو طويل إلا بالقسوة على الشعب والتهديد بالقوة الاستبدادية بينما الاسلام قد سار مع الانسانية أجيالاً وأجيالاً ، وهو يحميها ويصونها ويقودها من نصر الى نصر ، وذلك لأن احكامه العادلة لا تجافي الطبيعة ، ولا تناهض الفطرة ولا تنكر الحقائق ولا تحاول الخروج على السنن ، ولا تضيق صدراً بالاصلاح ولا تكلف الناس ما ليس في استطاعتهم ، ولذا لما أقصي الاسلام عن جميع المجالات وجمدت طاقاته أصيبت الانسانية بمثل هذه الانتكاسات الكبرى ، والاخطار الهائلة التي تنذر بفناء الحياة وانعدام الانسان والموجودات عن هذه الأرض ، فقد انتشر الجشع بين الساسة والقادة ، واستحكم العداء والبلاء فيما بينهم كل يريد أن ينفرد بالحكم ويغزو الجانب الآخر ، ومن جراء ذلك خيم الخوف وعم الذعر على جميع الناس ، وزاد في نشر الاضطراب والهلع بين الناس اتجاه افكار المخترعين والمبدعين الى صنع الآلات المبيدة للانسان والمحرقة للارض ببضع ساعات ، وكان ذلك ناشئاً من دون شك من فقدان المثل العليا من النفوس واتجاه العالم نحو المادة اتجاهاً جر له الويل والدمار.


(23)
    ونحن نؤمن ايماناً لايخامره شك ان الاسلام لا بد وأن ينتصر في صراعه مع هذه المبادئ الدخيلة ، ولا بد أن تتبلور أفكاره في المحيط العالمي ويكون ملاذاً للانسانية يحميها ، ويذب عنها الكيد والعدوان ، ويدراً عنها الأهوال والاخطار. (3)
    وسرت موجة الدعوة الاسلامية بسرعة الضوء نحو شعوب العالم ففي قرن واحد من الزمن امتد الفتح الاسلامي من هضاب الهند الى سهول الاندلس ، وبادرت الشعوب الى اعتناق الاسلام ، والايمان به ، والتفت حوله تحميه وتصونه لأنها وجدت في ظلاله الحماية لها من الاستغلال والاستبداد والخلاص من تحكم القوي بالضعيف.
    وظل الاسلام أجيالاً وهو قوي الجانب شامخ الكيان ، قد بسط العدل ، ونشر الخير ، ووحد الكلمة ، والف ما بين القلوب ، وبقي المسلمون ، وهم الجماعة القائدة للمجتمع الانساني ، يخططون سياسة العالم ، ويقررون مصيره على أساس من السياسة البناءة التي لا تعرف التحيز ، ولا تسلب قوت الشعوب ومقدراتها ولا تستأثر بالخيرات أو تنفرد بالثروات.


(24)
    وحقدت القوى الكافرة على تلك الانتصارات الهائلة التي أحرزها الاسلام فقامت بعدوان مسلح وشنت الحروب الصليبة على العالم الاسلامي ولكن صمود المسلمين ، وشعورهم بالمسؤولية أمام اللّه في ضرورة الدفاع عن الاسلام أزال عنهم الخطوب والكوارث ، ومنيت القوى المعادية لهم بالفشل والخسران ، ورجع لهم عزهم ومجدهم وفي نفس الوقت زادتهم الأحداث التي مرت بهم ايماناً بدينهم وتصلباً لعقيدتهم.
    وتوالت أحداث رهيبة على العالم الاسلامي ، وكان أشدها خطراً وأعظمها محنة وبلاء ان الخلافة الاسلامية العظمى قد تقصمها جماعة من الادعياء ممن لا كفاءة لهم ولا دين عندهم فاخذوا يتلاعبون في مقدرات الاقاليم الاسلامية فصرفوا أموال المسلمين بسخاء على المجون والدعارة واضطهدوا رجال الفكر والمصلحين من ابناء هذه الأمة ، وطاردوا كل من يطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية ورفع مستوى البلاد وتطبيق الاسلام تطبيقاً صحيحاً ، وقد جنوا بذلك على الأمة جناية لا تعدلها جناية ، فقد مكنوا الفرصة لاعداء الاسلام لاحتلال بلاد المسلمين واستعمارها والتحكم في مصيرها ونشر مبادئهم الكافرة ، وكان ذلك أهم ما مني به الاسلام من خطر ينذر بالفناء والدمار.


(25)
    ولا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر فيما تركه المستعمرون في بلاد المسلمين من الدمار والفساد فنحن أحوج ما نكون في مثل هذه الظروف الحاسمة من تأريخنا أن نقف على النكبات الموجعة التي صبها علينا عدونا الماكر لعلنا بذلك أن نستيقظ من سباتنا ونلتفت الى واقعنا المرير فنصلح بعض تلك الأوضاع الهزيلة التي سادت في بلادنا ، وإلى القراء ذلك :
    (أ) تجزئة البلاد :
    وطعن الاستعمار العالم الاسلامي طعنة نجلاء في صميمه فقد فصم الوحدة الاسلامية الكبرى وجزأ البلاد الى دويلات خاضعة لنفوذه لا تتمكن على حماية نفسها وصيانة رعاياها من التحكم السافر في مصيرها ونهب مقدراتها ، والاستيلاء على جميع امكانياتها الاقتصادية ، وبذلك ترك البلاد تئن من الظلم والاستبداد والحرمان.
    إن قضاء الاستعمار على الدولة الاسلامية العظمى من أشد المآسي التي حلت بالمسلمين فقد فصل بعضهم عن بعض ، وفرق كلمتهم ، وشتت شملهم وترك البؤس ماثلاً في بلادهم والذل مخيماً عليهم ، ولا يمكن بحال أن تقوم للمسلمين قائمة وهم متفرقون متباعدون لا تجمعهم جامعة ولا تحميهم دولة تسير في ظلال القرآن


(26)
فلا يصلح آخرها إلا بما صلح له أولها.
    (ب) اقصاء النظام الاسلامي.
    إن الإستعمار حينما استولى على الوطن الاسلامي الكبير وجه قذائفه بمهارة نحو تراثنا الديني ، ونحو قيمنا العليا ، فعمل بكل قواه مع أذنابه وعملائه على تجميد الطاقات الاسلامية واقصاء نظامه في جميع المجالات من حياتنا فبدل أحكام الاسلام وتعالميه بالانظمة المستوردة ليسير المسلمون على وفقها في منازعاتهم ومرافعاتهم في المحاكم الجزائية وغيرها ، وانما صنع ذلك لأن النظام الاسلامي قائم حي قد عمر قلوب المسلمين آنذاك وقدمهم على بقية الأمم ، فاذا وجد له ظل في حياة المسلمين فانه حتماً سيدفعهم الى تحطيمه والاجهاز عليه.
    لقد حال المستعمرون بين المسلمين وبين نظام دينهم ، وبذلك قد حكم عليهم بالموت والفناء وجعلهم عبيداً واقناناً له يستغل ثرواتهم ، ويتحكم في مصيرهم ويوجههم حيثما شاء.
    (ج) الطعن في الاسلام
    وعمل المستعمرون على تشويه الاسلام والطعن فيه ، والنيل من قادته فقد انطلقت أجهزة دعاياتهم في البلاد الاسلامية وغيرها تذيع أن الاسلام يجافي منطق العقل ، وينافي التحرر ،


(27)
ويعادي العلم ، وفي كنفه يتغلغل الجمود والأوهام الى غير ذلك من الوان الأظاليل والأكاذيب ، والغرض من ذلك ـ أولاً ـ أن يزهد المسلمين في دينهم ويبعدهم عنه ـ وثانياً ـ أن يبرز الاسلام بصورة مشوهة أمام المحيط العالمي ، وقد قامت بهذه العملية لجان التبشير التي كان يرسلها الاستعمار لتحقيق أغراضه الدنيئة حيث أخذت تصطنع الاكاذيب وتلفقها وتلصقها بالاسلام والمسلمين ، وقد جاء هذا المعنى صريحاً فيما نشرته مجلة ( العالم الاسلامي ) وهو خلاصة مقال كتبه ( ادوار ميدايرل ) أحد أساتذة التأريخ في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة لمجلة ( الشؤون الخارجية ) عنوانه الارساليات في الشرق الأدنى جاء فيه :
    « قد حمل هؤلاء المبشرون على أن يقدموا لنا في الولايات المتحدة صورة ناقصة أو ساخرة في بعض الأحيان للمسلمين وللاسلام » (1).
    كما طعنوا بشخصية الرسول الأعظم (ص) ووصفوه بما لا يليق به فقد ألف « السنيوركولي » كتاباً أسماه « البحث عن الدين الحقيقي » وقد صدر الكتاب عن اتحاد مؤسسات التعليم المسيحي في باريس ، ونال الكتاب رضا البابا ليون الثالث عشر
1 ـ التبشير والاستعمار : ص 24.

(28)
جاء فيه ما يلي :
    « الاسلام في القرن السابع « للميلاد » برز في الشرق عدو جديد ذلك هو الاسلام الذي أسس على القوة ، وقام على أشد أنواع التعصب ، لقد وضع محمد السيف في أيدي الذين اتبعوه وتساهل في أقدس قوانين الأخلاق ، ثم سمح لاتباعه بالفجور والسلب ووعد الذين يهلكون في القتال بالاستمتاع الدائم بالملذات ».
    لقد ألفت لهذا القصد مئات من الكتب والمقالات نشرتها الصحف الاستعمارية وعمل المستعمرون على نشرها في الاوساط الاسلامية ليحول بذلك بين المسلمين ودينهم ، ويسلب منهم التقدير البالغ للاسلام.
    (د) الغزو الثقافي
    وبعد ما سقطت الدولة الاسلامية صريعة بأيدي الغزاة والمستعمرين غزت البلاد الإسلامية موجات من الثقافة الغربية ، ولم يكن ذلك الغزو الثقافي أقل خطراً من الغزو المسلح ، فقد اقتحمت عقول المسلمين ألوان من الثقافة المسمومة في حين لم تكن للفكرة الاسلامية في أفكارهم معالم واضحة تثبت أمام الغزو ، أو مقاييس بينة تميز الخبيث من الطيب ، وكانت نتيجة


(29)
ذلك فساد تفكير المسلمين ، وانهيارهم وتقبلهم الدعايات الاستعمارية حتى بلغ الحال ـ وياللاسف ـ ان جملة من شبابنا المثقفين بالثقافة الحديثة قد اعتنقوا تلك الافكار الهزيلة التي حملها المستعمرون الى بلادنا ، من دون وعي أو تعقل لأهدافها ومعالمها.
    إن الغزو الثقافي تناول جميع انحاء التعليم فقد عمل الحكم الصليبي على وضعها وسهر على حمايتها ومن ورائه مؤتمرات التبشير توجهه ، وترسم خطوطه وطرائفه ، ... وكان أهم مقاصدها تغذية الناشئة والأحداث من أبنائنا بالوان من ثقافتهم الاستعمارية وقد أبدى ذلك المبشر ( جون موت ) قال :
    « يجب أن نؤكد في جميع ميادين التبشير جانب العمل بين الصغار وللصغار وينما يبدو مثل هذا العمل ، وكأنه غيرية ، ترانا مقتنعين لأسباب مختلفة بأن نجعله عمدة عملنا في البلاد الاسلامية. إن الأثر المفسد في الاسلام يبدأ باكراً جداً ، من أجل ذلك يجب أن يحمل الاطفال الصغار الى المسيح قبل بلوغهم الرشد ، وقبل أن تأخذ طبائعهم اشكالها الاسلامية ان اختبار الارساليات في الجزائر فيما يتعلق بهذا الامر ، وكما ظهر من بحوث مؤتمر شمالي افريقية اختبار جديد ومقنع ... وهكذا نجد أن وجود التعليم في يد المسيحيين لا يزال وسيلة من أحسن الوسائل


(30)
للوصول الى المسلمين ... » (1).
    وبهذه الوسائل القذرة هيمنوا على أغلب المعاهد والمدارس ولم يدعوا أي مجال لنشر الثقافة الاسلامية حتى شحنوا أفكار الطلبة وعواطفهم بالكره للاسلام والمعاداة لدعاته ، وصاروا جنوداً للمستعمرين وأداة طيعة بيد كل كافر ملحد يخدمون الاجنبي ويحققون أطماعه ، والغريب المؤلم أنك إذا عرضت عليهم الافكار الأصيلة والمثل العليا التي جاء بها الاسلام أشاحوا بوجوههم وانطلقوا بكل وقاحة يقولون :
    إنه لا يمكن تطبيق الاسلام!!
    وانما أعربوا بذلك عن دخائل نفوسهم وأعماق قلوبهم التي لم ينطبع فيها شيء من الوعي الاصيل.
    إنهم لا يريدون حكم الاسلام.
    إنهم لا يرغبون أن تسود العدالة الاجتماعية في ربوعهم.
    إنهم يريدون الفوضى والهوس والانحطاط.
    إنهم يريدون التسيب والدعارة والمجون.
    أن ذلك كان ناجماً من دون شك من تلك التربية الاستعمارية التي نشأ عليها هذا الفريق المترهل من الشباب.
1 ـ التبشير والاستعمار : ص 68.
العمل وحقوق العامل في الاسلام ::: فهرس